top of page
Writer's pictureآدم السرطاوي

تجربة فلسطينيُّ شتات في ساكس هاربرSachs Harbor


عام 2022، خلال الشهر الثامن، ذهبت في رحلة عمل بسيطة إلى منطقة في الشمال الكندي اسمها ساكس هاربر Sachs Harbor، عدد سكانها يراوح ال ١٠٠ شخص فقط، وهم من السكان الأصليين لهذه الأرض.


هذه الصورة من الطائرة هي صورة القرية كاملة دون نقصان.



وصورة هذا الشارع تغطي ما نسبته ٨٠٪؜ من القرية القابعة على المحيط الشمالي المتجمد.


وهذه الصورة تبين موقع ساكس هاربر على الخريطة.


لا أدري إن كنتُ أول فلسطيني يزور هذه القرية في تاريخها أو خلال ال١٠٠ عام التي مرت، ربما.


وكفلسطيني، لستُ كغيري من الناس، فأسئلتي مختلفة ووجداني مختلف، وخصوصاً عندما يكون محور القضية هو المكان والأرض والانتماء.


بحسب ما رأيت في ساكس هاربر، هناك مدرسة، مركز صحي، وسوبر ماركت. لا مقاهي ولا مطاعم ولا حدائق ولا غابات ولا أشجار، ولا صالة رياضية، ولا خيارات متعددة في الشراء. في هذا المكان يبرز السؤال الأقوى الذي كنت أظن نفسي أعرف إجابته، وهو، ما هي هذه الرابطة العجيبة بين الإنسان والأرض التي هو منها؟ وما معنى أن تكون من هذه الأرض أو تلك؟

قلت في رأسي، لو أراد سكان ساكس هاربر أن يطلبوا من الحكومة بيوتاً فارهة غير مدفوعة التكاليف في وسط المدن الكبيرة لوافقت الحكومة دون تردد، وذلك لقلة التكلفة على الحكومة، ففي إيصال الكهرباء وتوفير المؤونة لهذا المكان البعيد جداً، تكلفةُ عالية الثمن. ولكن، القضية أكبر من ذلك بكثير، فسكان هذا المكان يميزهم شيء مهمٌ جداً، أنهم من هذا المكان.


ماذا يعني ذلك؟


ذلك يعني أن الإنسان حقيقة الإنسان هي وجدان ينمو مرتبطاً في المكان. فأنا، كإنسانٍ ذو وجدانٍ مختلف، شعرت بالوحشة الشديدة، فالأرض جرداء، والمحيط ممتد، والسماء زرقاء، كأنها بداية الخلق. لكن سكان ساكس هاربر يشعرون بالدفء هناك، ويشعرون بهويتهم ويدركونها من خلال الممارسات التي نمت معهم منذ الطفولة جيلاً بعدَ جيل. فقد علمتهم طبيعة ساكس هاربر كيف يخترقون البحر لصيد الحيتان، وكيف يطورون أدواتهم لصيد الدببة والتعامل مع الكائنات الشرسة.


لقد أدركتُ معنى أن تكبر وتعيش مع أناسٍ يذكرون فلسطين عندما يصنعون الطعام وعندما يتحدثون إلى الجدة عبر الهاتف، وعندما يتحدثون عن أملاكهم المتروكة، وعندما ينتظرون زيت الزيتون، ولكنك لا تستطيع الذهاب هناك. لقد أدركتُ أنكَ عندما تعيش في مكان آخر، فذلك يعني أنك تعيش بوجدانٍ غير منتظم، تنمو فيه صورٌ وأماكن في قالبٍ ليس له، فأنت قالبٌ مصنوعٌ من الأرض التي أنت منها شئتَ أم أبيت. لذلك، مهما سافر الإنسان وابتعد، يظل شاعراً بالمكان الذي نمى بداخله، فيعيش في الأماكن الأخرى من خلال هذا الشعور، فيظل يصنع طعامَ بلاده ويجعل مكانه مهيئاً كأنما هو في الوطن.


وهنا أٌلفت الانتباه إلى قضية نمو الإنسان في أرض ما، فهناك خبرةٌ وألفةُ تنمو مع المكان، فمثلاً، رأينا كيف أساء الأوروبيون الدخلاء إلى الحمص حيث صنعوا منه نكهاتٍ متعددة كالشوكولاطه مثلاً! ولا أستغرب ذلك، فالغريب الذي لم ينشأ في تلك الأرض عبر التاريخ، ينشأُ بوجدانٍ مشوه.



54 views1 comment

Recent Posts

See All

1 Comment


Aida Mardinli
Feb 14, 2024

كلامك 💯 لأمست وجداني والله ،،تخيلت الآن جزع نفسي من خلال كلامك فأنا احن لمدينتي ماردين التي لم اخلق بها ولطالما كانت بالنفس حرقة ان اذهب اليها فالجذور والأرض جزء من ارواحنا ،،نحن غرباء أينما كنّا

Like
bottom of page